ومن فرح الله بالتائبين إليه أنه لا يغفر سيئاتهم فقط .. كلا .. بل يبدل سيئاتهم حسنات .. قال عز وجل :
{ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً } .. وفي البخاري أن حكيم بن حزام رضي الله عنه أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
أي رسول الله .. أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية .. من صدقة أو .. عتِاقة .. أو صلة رحم .. أفيها أجر ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أسلمت على ما أسلفت من خير ) ..
الله أكبر ..
الذنوب تغفر .. والسيئات تبدل حسنات .. والحسنات أيام الجاهلية تثبت لصاحبها بعد التوبة .. فماذا بقي !
* * * * * * * * *
هو التواب الرحيم .. الذي وسعت رحمته كل شيء ..
لكن رحمته قريبة من المحسنين .. الرجاعين التائبين ..
الذين إذا أذنبوا استغفروا .. وإذا ذُكِّروا ذكروا ..
فليست المشكلة في وقوع الذنب .. لكن المشكلة الكبرى .. والداهية العظمى ..
هي أن يألف المرء الذنب .. ثم يتساهل بخطره .. فلا يحدث منه توبة ..
والله رحيم بعباده ..
رحمته أسرع من غضبه ..
ومغفرته أعجل من عقوبته ..
هو والله أرحم بعباده .. من آبائهم وأمهاتهم ..
في الصحيحين :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من حرب هوازن .. أُتي إليه بعد المعركة .. بأطفال الكفار ونسائهم .. ثم جمعوا في مكان ..
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليهم .. فإذا امرأة من السبي .. أم ثكلى .. تجر خطاها .. تبحث عن ولدها .. وفلذة كبدها ..
قد اضطرب أمرها .. وطار صوابها .. واشتدّ مصابها ..
تطوف على الأطفال الرضع .. تنظر في وجوههم .. يكاد ثديها يتفجر من احتباس اللبن فيه ..
تتمنى لو أن طفلها بين يديها .. تضمه ضمة .. وتشمه شمة .. ولو كلفها ذلك حياتها ..
فبينما هي على ذلك ..
إذ وجدت ولدها .. فلما رأته جف دمعها .. وعاد صوابها ..
ثم انكبت عليه .. وانطرحت بين يديه .. وقد رحمت جوعه وتعبه .. وبكاءه ونصبه ..أخذت تضمه وتقبله ..
ثم ألصقته بصدرها .. وألقمته ثديها ..
فنظر الرحيم الشفيق إليها .. وقد أضناها التعب .. وعظم النصب ..
وقد طال شوقها إلى ولدها .. واشتد مصابه ومصابها ..
فلما رأى ذلها .. وانكسارها .. وفجيعتها بولدها ..
التفت إلى أصحابه ثم قال :
أتُرَون هذه .. طارحة ولدها في النار .. يعني لو أشعلنا ناراً وأمرناها أن تطرح ولدها فيها .. أترون أنها ترضى ..
فعجب الصحابة الكرام : كيف تطرحه في النار .. وهو فلذة كبدها .. وعصارة قلبها ..كيف تطرحه .. وهي تلثمه .. وتقبله .. وتغسل وجهه بدموعها .. كيف تطرحه ..
وهي الأم الرحيمة .. والوالدة الشفيقة ..
قالوا : لا .. والله .. يا رسول الله .. لا تطرحه في النار .. وهي تقدر على أن لا تطرحه ..
فقال صلى الله عليه وسلم : والله .. لله .. أرحم بعباده من هذه بولدها ..