مما فضل الله عز وجل به النبي صلى الله عليه وسلم أنه عز وجل ختم به النبيين وأرسله إلى الناس كافة , فجاءت رسالة الإسلام خالدة على مر العصور لكل الناس تحوي فيها كل عناصر الخلود والإعجاز والحفظ من العبث والتحريف , لذلك لما استقرت الأحوال في المدينة وثبتت أركان الدولة المسلمة في المدينة قام النبي صلى الله عليه وسلم بواجب الدعوة العالمية فبدأ يراسل ملوك الأرض من العرب والعجم حتى يبلغ ما أنزل إليه من ربه 'والذي فعله النبي-صلى الله عليه وسلم- من دعوة الملوك والرؤساء هو عين الصواب أن يبدأ الداعية برأس البيت أو كبير الحي و المنطقة ليستميله للدعوة لأن بإلتحاق هؤلاء بالدعوة يتبعهم مباشرة باقي الناس والرعية فالناس على دين ملوكهم' .
كان ممن أرسل إليهم النبي- صلى الله عليه وسلم- كسرى عظيم الفرس والذي كان يمثل أقوى دولة في حينها مع دولة الروم ورأسها قيصر , فأرسل النبي- صلى الله عليه وسلم -عبد الله بن حذافة السهمي بكتاب إلى كسرى وأمره أن يسمع منه الرد على ذلك الكتاب والذي جاء فيه ما يلي :
'بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى ,وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأدعوك بدعاء الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين فإن تسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك'. وعندما بدأ ترجمان كسرى في قراءة الكتاب وسمع أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قد بدأ بنفسه الشريفة قبل نفس كسرى الخبيثة هاج وماج وغضب بشدة وأخذ الكتاب ومزقه وقال 'يكتب إلى بهذا وهو عبدي' ثم كتب إلى عامله على اليمن واسمه 'باذام' وقال له ابعث إلى هذا الرجل بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به وتوعد كسرى باذام إن لم يفعل ذلك فسوف يعزله ويقتله ويسلب ملكه .
عبد الله بن حذافة السهمي يعود للنبي صلى الله عليه وسلم بخبر كسرى وما كان منه من تمزيق كتاب النبي فدعا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال 'مزق ملكه' وما لبث إلا قليلاً حتى أتاه الرجلين من طرف باذام عامل صنعاء فدخلا على النبي وهما حليقي اللحى وافري الشوارب فكره النبي-صلى الله عليه وسلم- النظر إليهما ثم قال 'ويلكما من أمركما بهذا' قالا 'ربنا' يعنيان كسرى فقال النبي 'ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي ' ثم قال 'ارجعا حتى تأتياني غدا' وأتي رسول الله الخبر من السماء بأن الله عز وجل سلط على كسرى ولده شيرويه فقتله فدعا النبي الرجلين وقال لهما 'إن ربي قد قتل الليلة ربك' فانصرف الرجلان عائدين إلى باذام وأخبراه بما رأوه وسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال باذام 'والله ما هذا بكلام ملك وإنى لأرى الرجل نبياً كما يقول وليكونن ما قد قال فلئن كان هذا حقاً فهو نبي مرسل وإن لم يكن فسنرى فيه رأياً' .
لم يلبث باذام إلا يسيراً حتى قدم عليه كتاب شيرويه وفيه 'أما بعد فإني قد قتلت كسرى ولم أقتله إلا غضباً لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم , فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانطلق إلى هذا الرجل 'يعني الرسول' الذي كان كسرى قد كتب فيه فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه'.
فعندما حسب باذام وقت الرسالة فوجده متطابقاً مع قول الرسول فعلم أنه نبي مرسل فأعلن إسلامه وأسلم معه أهل اليمن فارسهم وعربهم , وكان قتل كسرى على يدي ابنه شيرويه في 10 جمادى الآخرة سنة 7هـ وتحققت دعوة النبي-صلى الله عليه وسلم- حيث تمزق ملك كسرى بعد ذلك ولم تقم لهم قائمة بذلك وتحققت البشارة النبوية'إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده فوالذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله' رواه مسلم .