إن الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما شاء من شيء بعد فهو أهل الثناء والمجد وهذا أحق ما قال العبد وكلنا له عبد وصلاة وسلاما طيبين دائمين مباركين من العزيز على خير البرية
أخوتى فى الله قصة أغرب من الخيال
ذكر بن حبان من طريق بن عبد الله بن محمد قال : خرجت إلى ساحل البحر مرابطا وكان رباطنا يومئذ عريش مصر .
قال : فلما انتهيت إلى الساحل فإذا أنا ببطيحة . وفى البطيحة خيمة فيها رجل قد ذهبت يداه ورجلام , وثقل سمعه وبصره ، وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه يقول :
اللهم أوزعنى أحمدك حمدًا أكافئ به شكر نعمتك التى أنعمت بها على وفضلتنى على كثير ممن خلقت تفضيلا .
قلت : والله لآتين هذا الرجل ولأسألنه أنَّى له هذا الكلام : فهمٌ أم علمٌ ,أم إلهام ألهمه؟
فأتيت الرجل فسلمت عليه فقلت : سمعتك تقول : اللهم أوزعنى أن أحمدك حمدًا أكافئ به شكر نعمتك التى أنعمت بها على وفضلتنى على كثير ممن خلقت تفضيلا ......
فأى نعمة من نعم الله عليك تحمده عليها ؟ وأى فضيلة تفضل بها عليك تشكره عليها ؟
قال : وما ترى ما صنع ربى ؟والله لو أرسل السماء على نارًا فأحرقتنى وأمر الجبال فدمرتنى وأمر البحار فأغرقتنى .
وأمر الأرض فبلعتنى ... ما أزددت لربى شكرًا لما أنعم على من لسانى هذا .
قال: ولكن يا عبد الله إذ أتيتنى لى حاجة قد ترانى على أى حالة أنا لست أقدر لنفسى على ضر ولا نفع ولقد كان معى ابن لى يتعاهدنى فى وقت صلاتى فيوضينى وإذا جعت أطعمنى وإذا عطشت سقانى ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام فتحسسه لى .
فقلت : والله ما مشى خلق فى حاجة خلق كان أعظم أجرا ممن مشى فى حاجة مثلك .
فمضيت فى طلب الغلام فإذا أنا بالغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه .
فاسترجعت وقلت : أنى لى وجه رقيق آتى به الرجل ؟
فبينما أنا مقبل نحوه خطر على قلبى ذِكر أيوب النبى فلما أتيته سلمت عليه فرد على السلام .
فقال: ألست بصاحبى ؟
قلت بلى .
قال : ما فعلت فى حاجتى ؟
قلت أنت أكرم على الله أم أيوب النبى ؟
قال : بل أيوب النبى .
قلت : هل علمت ما صنع به ربه ؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده ؟
قال : بلى .
قلت فكيف وجده؟
قال : وجده صابرًا شاكرًا حامد.
قلت : لم يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبابه ؟
قال : نعم .
قلت : فكيف وجده ربه ؟
قال : وجده صابرًا شاكرًا حامدًا .
قلت : فلم يرض منه ذلك حتى صيره غرضا لمار الطريقهل علمت ؟
قال : نعم .
قلت فكيف وجده ؟
قال : وجده صابرًا شاكرًا حامدًا .
قلت له : إن الغلام الذى أرسلتنى فى طلبه وجدته بين كثبان الرمال وقد افترسه سبع فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر .
فقال المبتلى : الحمد لله الذى لم يخلق من ذريتى خلقا يعصيه فيعذبه بالنار ثم استرجع وشهق شهقة فمات .
فقلت إن لله وإنا إليه راجعون عظمت مصيبتى رجل مثل هذا إن تركته أكلته السباع وإن قعدت لم أقدر على ضر ولا نفع فسجيته بشملة كانت عليه وقعدت عند رأسه باكيا .
فقدم على أربعة رجال فقالوا : يا عبد الله ما حالك ؟
فقصصت عليهم قصتى وقصته .
قالوا : اكشف لنا عن وجهه فعسى أن نعرفه ..
فكشفت عن وجهه فانكب القوم على الرجل يقبلون عينه مرة ويديه مرة أخرى ويقولون : بأبى عين طالما غضت عن محارم الله وبأبى جسم طالما كان ساجدا والناس نيام .
فقلت من هذا يرحمكم الله ؟
قالوا : هذا أبو قُلابة الجُرمى صاحب ا بن عباس لقد كان شديد الحب لله وللنبى صلى الله عليه وسلم .
فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه وانصرفت إلى رباطى فلما جن على الليل وضعت رأسى فرأيته فيما يرى النائم فى روضة من رياض الجنة وعليه حلتان من حلل الجنة وهو يتلو {سَلامٌ عَلَيكُم بِمَا صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدَّارِ }
فقلت : ألست بصاحبى ؟
قال بلى !
قلت : أنى لك هذا ؟
قال :إن لله درجات لا تنال إلا بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء مع خشية الله ـ عز وجل ـ فى السر والعلانية .
اللهم إجعلنا نخشاك كأننا نراك
اللهم إجعلنا يا ربنا نصبر على البلاء ونشكرك فى النعماء
اللهم توفنا وأنت عنا راض
وصل وسلم يا ربنا على حبيبك المصطفى الذى علم البشرية مكارم الأخلاق
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين