الرجاء
الرجاءهو نقيض اليأس وهى كلمة تدل على الأمل
الرجاء ثلاثة أقسام : نوعان محمودان ، ونوع غرور مذموم .
القسم الأول : رجاء رجل يعمل بطاعة الله على نور من الله فهو راج لثواب الله كما قال ابن القيم .
القسم الثانى : رجاء رجل أذنب ، وكلنا ذلك المذنب لكنه تاب إلى الله ـ عز وجل ـ واستغفر الله فهو راج الله تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه وأورثته هذه المعصية انكسارا وذلا لله ودفعته إلى الطاعة دفعا وهذا كلام ابن القيم فى موضع آخر : رب طاعة أدخلت صاحبها النار , ورب معصية أدخلت صاحبها الجنة؛فرب طاعة أورثته عجبا وكبرا وغرورا ومنا على الله سبحانه ـ وتعالى ـ ونسى أن الله جل وعلا ـ هو الذى تفضل عليه وأعانه ووفقه ؛ فاستحق النار !!
ورب معصية أدخلت صاحبها الجنة ؛ لانها أورثته ذلا وانكسارا وتوبه بعد توبه وقربه بعد قربه وطاعة بعد طاعة حتى أوقفته على باب التوبة , وأدخلته الجنة بفضل الله عز وجل .
القسم الثالث هو المذموم : رجاء رجل متمادى فى المعاصى والذنوب والخطايا , تارك للعمل والطاعة ، وهو يرجو رحمة الله عز وجل بلا عمل ؛ فهذا هو الغرور والتمنى والرجاء الكاذب !!
قال الحسن البصرى ( رحمه الله ) :" إن قوما ألهتهم أمانى المغفرة , حتى خرؤجوا من الدنيا ولا حسنة لهم , يقول أحدهم : إنى أحسن الظن بربى , وكذب ولو أحسن الظن لأحسن العمل " ثم قرأ { وذلكم ظنكم الذى ظننتم بربكم أرداكم } فصلت فلو رجا رحمة الله لطلبها بالأعمال الصالحة .
فمن علامة الشقاء أن يعصى العبد ربه , ويرجو أن ينجو من الهلاك !!
أما علامة صحة الرجاء؛ فى حسن الطاعة , وأن يخاف العبد مع ذلك ألا يقبل الله منه.
هل هنا ك فرق بين التمنى والرجاء ؟
الجواب : أن التمنى يكون مع الكسل , وترك العمل ولا يسلك صاحبه سبيل الجد والإجتهاد ومع ذلك يرجو رحمة الله ؛ أما الرجاء ؛ فهو رجاء وطمع فى رحمة الله مع العمل أو مع التوبة ، الاستغفار . وعدم التفريط فشتان شتان بين الرجاء والتمنى فالرجاء حافز المؤمنين , والامانى شغل الفارغين فقال تعالى :
{ تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } البقرة
حقيقة الرجاء كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى :" الرجاء هو عبوديه وتعلق بالله ومعرفة بالله الذى أوجب للعبد الرجاء من حيث يدرى ومن حيث لا يدرى فقوة الرجاء حسب قوة المعرفة بالله واسمائه وصفاته .
لولا التعلق بالرجاء تقطعت
نفس المحب تحسرا وتمزقا
لولا الرجا يحدو المطى لما سرت
بحمولها لديارهم ترجو اللقا
وقيل :" الرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدار الآخرة ويطيب لها السير "
فالرجاء عبادة عظيمة من أعمال القلوب , وركن من أركان العبادة
ولقد أثنى الله تعالى فى محكم آياته على أصحاب هذه المنزلة
قال تعالى :{ فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }
ومن أعظم آيات الرجاء , قوله جل وعلا :{ قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } الزمر
وفى سنن الترمذى :"بسند حسن "ـ عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" قال الله تبارك وتعالى : يا ابن آدم , إنك ما دعوتنى ورجوتنى ، غفرت لك ما كان فيك ولا أبالى , يا ابن آدم لو بلغت بك ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى , غفرت لك ولا لأبالى , يا ابن آدم إتك لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لاتشرك بى شيئا لأتيتك بقرابها
مغفرة ".
وهذا الامام الشافعى يقول فى مرض موته :
ولما قلبى وضاقت مذاهبى
جعلت الرجا منى لعفوك سلما
تعاظمنى ذنبى فلما قرنته
بعفوك ربى كان عفوك أعظما
ثمرات الرجاء :
منها : إظهار العبودية والفاقة والحاجة إلى ما يرجوه من ربه ولا يستغنى عن فضله وإحسانه طرفه عين .
ومنها :أنه سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يؤملوه ويرجوه.
ومنها :أن الرجاء حاد يحدو به فى سيره إلى الله ويطيب له المسير ويحثه عليه .
ومنها : أن الرجاء يطرحه على عتبه المحبة فإنه كلما اشتد رجاؤه وحصل له على ما يرجوه ازداد حبا لله تعالى .
ومنها : أنه يبعثه فى أعلى المقامات وهو مقام الشكر الذى هو خلاصه العبودية .
ومنها : أنه يوجب له المزيد من معرفة الله وأسمائه ومعانيها والتعلق بها .
ومنها : أن المحبة لاتنفك عن الرجاء .
ومنها : أن الخوف مستلزم للرجاء , والرجاء مستلزم للخوف فكل راج خائف وكل خائف راج .
ومها : أن الله سبحانه وتعالى يريد من عبده تكميل مراتب عبوديته : من الذل والانكسار والتوكل والاستعانة والخوف والرجاء والصبر والشكر والرضا والإنابة وغيرها .
ومنها : أن فى الرجاء الانتظار والترقب والتوقع لفضل الله ما يوجب تعلق القلب بذكره ودوام الالتفات إليه .